فصل: مطلب في البرق والصّواعق والتسبيح والسجود والفوق بين العالم والجاهل:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.مطلب في البرق والصّواعق والتسبيح والسجود والفوق بين العالم والجاهل:

ولما خوف اللّه عباده في هذه الآية ذكر شيئا من عظيم قدرته بشبه النّعم من وجه والعذاب من آخر فقال جل قوله: {هُوَ الَّذِي يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفًا} من نزول الصّواعق: {وَطَمَعًا} بنزول الغيث قال أبو الطّيب:
فتى كالسحاب الجون يخشى ويرتجى ** يرجى الحيا منه وتخشى الصّواعق

{وَيُنْشِئُ السَّحابَ الثِّقالَ} [12] بالغيم والسّحاب الملئان بالماء ويقال سحاب جهام للخالي من الماء كما يقال خلّب للخالي من المطر: {وَيُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ} هو الصّوت الخارج بعد البرق، والبرق هو اللّمعان الحاصل من خلال السحب عند تراكمها وتصادمها بعضها ببعض، ولما كان كلّ شيء يسبح بحمد اللّه كما مر في الآية 44 من الإسراء وفي الآية الأولى من سورة الحديد المارة، وبما أن الرّعد شيء أيضا فيسبح اللّه كسائر الأشياء: {وَالْمَلائِكَةُ} تسبح: {مِنْ خِيفَتِهِ} أيضا: {وَيُرْسِلُ الصَّواعِقَ} الشعل الغارية الكهربائية الحاصلة من الرعد: {فَيُصِيبُ بِها مَنْ يَشاءُ} من خلقه فيهلكهم كما أهلك زيد المذكور آنفا: {وَهُمْ} والحال ان الّذين يكذبون رسول اللّه: {يُجادِلُونَ فِي اللَّهِ} وينكرون على رسوله قدرته على بعث الخلق بعد الموت ويتخذون معه شركاء بعد صدور هذه الآيات ولا يخشونه وهو القوي العظيم: {وَهُوَ شَدِيدُ الْمِحالِ} [13] المكر والكيد لأعدائه حيث يأتيهم بما يدمرهم من حيث لا يحتسبون ولا يعرفون ولا يقدرون على رده، وهذه اللّفظة لم تكرر في القرآن: {لَهُ دَعْوَةُ الْحَقِّ} المجابة من الحق لأنها دعوة حق من الرّسول على عامر وزيد لتجاوزهما عليه صلّى اللّه عليه وسلم وإرادتهما اغتياله بطريق الغدر بلا سبب: {وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ} أوثانا مما اتخذوه وعبدوه من دون اللّه كعامر وزيد وغيرهما من الكفرة، والآية عامة في كلّ من يدعو من دون اللّه: {لا يَسْتَجِيبُونَ لَهُمْ بِشَيْءٍ} يدفع عنهم ضرا أو يجلب لهم نفعا: {إِلَّا كَباسِطِ كَفَّيْهِ إِلَى الْماءِ} أي إلّا استجابة كاستجابة الماء لمن بسط كفيه إليه على بعد منه يطلب منه المجيء: {لِيَبْلُغَ فاهُ} فيدخل في فيه ليشربه وهو جماد من حيث عدم النّطق والفهم، كما أن الماء جماد من هذه الحيثية لا يشعر ببسط الكفين ولا يعلم بما يراد منها ولا بالعطش، لذلك يقول اللّه تعالى: {وَما هُوَ بِبالِغِهِ} لأنه لا يفهم ولا يقدر أن يجيب دعاءه، فمثل الّذين يدعون من دون اللّه لدفع ما يهمهم دفعه وجلب ما يهمهم جلبه مثل هذا الجماد لا يعي ما يراد منه ولا به، لأنه لا يفهم ولا يقدر على الاجابة، فلا يركن إلى أمثال هذا إلّا الكافر الذي لا يعتقد باللّه، ولهذا فلا يستجاب دعاؤه لكفره: {وَما دُعاءُ الْكافِرِينَ} أوثانهم: {إِلَّا فِي ضَلالٍ} [14] عن طريق الحق وهباء لا قيمة له.
ونظير هذه الجملة آخر الآية 50 من سورة المؤمن.
وذلك لأن أصواتهم منصرفة إلى أوثانهم وهي لا تجيبهم لأنها محجوبة عن اللّه تعالى لعدم دعائهم إياه ولأنهم يأنفون من السّجود لعظمته: {وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا} واختيارا رغبة ورضى وشوقا كالملائكة والرّسل والمؤمنين المخلصين: {وَكَرْهًا} جبرا وقسرا رغم أنوفهم كالكفار والمنافقين عند نزول الشّدائد بهم، ولكن لا فائدة لهم من ذكره لأنهم لا يرجون له ثوابا ولا يعتقدون به، وإنما يخضعون للّه حال الضّيق والمحنة فقط: {وَظِلالُهُمْ} تسجد لعظمته أيضا تبعا لهم.
والضّمير فيه يعود ان في الأرض، لأن من في السّماء لا ظل له: {بِالْغُدُوِّ} من طلوع الفجر إلى طلوع الشّمس والغدوة والغداة منها إلى نصف النّهار: {وَالْآصالِ} [15] جمع أصيل ما بين صلاة العصر إلى غروب الشمس، هذا ويجب على من قرأ هذه الآية ومن سمعها السّجود للّه تعالى كما مر في الآية الأخيرة من سورة والنّجم: {قُلْ} يا سيد الرّسل لهؤلاء الّذين لا يعرفون اللّه تعالى إلّا عند نزول البلاء بهم ولا يدعونه إلّا عند اشتداد الأزمة رسلهم: {مَنْ رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ} فإن لم يجيبوك عتوا وعنادا فأنت: {قُلِ اللَّهُ} لأنهم يتلعثمون عند قول الحق ويترددون عن الإجابة عنه، وإذا قالوه يقولونه جبرا، ثم: {قُلْ} توبيخا لهم لاتخاذهم أوثانا يزعمون أنها تشفع لهم: {أَفَاتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ} لأموركم أصناما: {لا يَمْلِكُونَ لِأَنْفُسِهِمْ نَفْعًا وَلا ضَرًّا} فما فائدتكم منهم بعد أن علمتم أن مالك الضّر والنّفع هو اللّه لا غير، ومما يدل على تمام معرفتهم به أنه يملك ذلك ويملك الحياة والموت والخير والشر، إنهم يدعونه عند الشّدة، ومن جهلهم وحمقهم يعرضون عنه عند الرّخاء {قل هل يستوي الأعمى والبصير أم هل تستوي الظّلمات والنّور} فبالطبع يقولون لا، فقل لهم كما لا يستوي هذان الصّنفان، لا يستوي الكفر والإيمان الوثن والرّحمن، راجع الآية 21 من سورة فاطر تجد ما يتعلق في هذا البحث: {أَمْ جَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكاءَ خَلَقُوا كَخَلْقِهِ} سماء وأرضا وشمسا وقمرا وإنسا وجنا وملائكة ووحشا وأنهارا وبحارا: {فَتَشابَهَ الْخَلْقُ عَلَيْهِمْ} الخلق الذي خلقه شركاؤهم فلم يميزوا بين خلق اللّه وخلق أوثانهم، كلا لم تخلق شيئا ما، فيا سيد الرّسل: {قُلِ اللَّهُ خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ} وما يعمله خلقه من خلقه: {وَهُوَ الْواحِدُ} المتفرد بالخلق: {الْقَهَّارُ} [16] لكل شيء لا أوثانهم العاجزة عن حفظ نفسها وهذا الإله الجليل هو الذي: {أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَسالَتْ أَوْدِيَةٌ} به: {بِقَدَرِها} الذي علمه قبل نزوله: {فَاحْتَمَلَ السَّيْلُ زَبَدًا رابِيًا} رغوة بيضاء قيقاء تشبه الزبد منتفخة مرتفعة على وجه السيل وهذا مثل ضربه اللّه تعالى لعباده بمثل آخر وهو: {وَمِمَّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ فِي النَّارِ} من الذهب والفضة: {ابْتِغاءَ حِلْيَةٍ} لا تكون إلّا منهما، وإنما أعيد الضّمير إلى الذهب والفضة مع عدم ذكرها للمعلومية، راجع قوله تعالى: {إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ} وقوله تعالى: {حَتَّى تَوارَتْ بِالْحِجابِ} الآية 32 من سورة ص فيما يتعلق بهذا الضّمير لأن الحلية لا تكون إلّا منهما، أما الأحجار الكريمة التي يتحلى بها فلا توقد، عليها النّار، لذلك لا يتصور إعادة الضّمير إليها: {أَوْ مَتاعٍ} آخر من غيرهما كالحديد والنّحاس والرّصاص وكلّ ما يذاب مما يتخذ منه الأواني وما يتمتع به فيكون له: {زَبَدٌ مِثْلُهُ} مثل زبد الماء بسبب غليانه على النّار، ولا دخل للأحجار الكريمة في هذا أيضا، لأنها لا تذاب على النّار: {كذلك} مثل هذا المثل: {يَضْرِبُ اللَّهُ الْحَقَّ} الذي ينتفع به مثل الماء والذهب وبقية المعادن المنطبعة: {وَالْباطِلَ} الذي لا ينتفع به كرغوة الماء وخبث المعادن المعبر عنها بالزبد المعبر عنه بقوله عز قوله: {فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفاءً} متلاشيا لا فائدة فيه: {وَأَمَّا ما يَنْفَعُ النَّاسَ} كالماء الصّافي وجوهر المعادن المذكورة التي يتزين بها: {فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ} وعلى النّاس: {كَذلِكَ} مثل هذا الضّرب: {يَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثالَ} [17] ليعتبر خلقه بها قال تعالى: {لِلَّذِينَ اسْتَجابُوا لِرَبِّهِمُ} ما دعاهم إليه: {الْحُسْنى} الجنّة إذ لا أحسن منها مقعدا ولا أهنا منها مشربا، ولا أمرا منها ماكلا، فنعمة الجنّة مكافأة لهم وجزاء: {وَالَّذِينَ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُ} دعاءه هم النّار والدّمار وحين يعانون عذابها يتمنون: {لَوْ أَنَّ لَهُمْ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا وَمِثْلَهُ مَعَهُ لَافْتَدَوْا بِهِ} مما يلاقونه من هولها ولكن ليس لهم ذلك، ولو فرض أنهم يملكونه وأرادوا أن يفتدوا به لما قبل منهم: {أُولئِكَ لَهُمْ سُوءُ الْحِسابِ} عند رب الأرباب في الموقف العظيم: {وَمَأْواهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهادُ} [18] هي لأهلها وقبح المأوى وأسوا المنقلب وأسام المرجع.
قال تعالى: {أَفَمَنْ يَعْلَمُ أَنَّما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ} فيذعن إليه ويؤمن به: {كَمَنْ هُوَ أَعْمى} باق على كفره، كلا لا يستويان: {إِنَّما يَتَذَكَّرُ} بآياتنا وينفاد إلى طاعتنا: {أُولُوا الْأَلْبابِ} [19] الواعية: {الَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ} المأخوذ عليهم بالأزل: {وَلا يَنْقُضُونَ الْمِيثاقَ} [20] الذي واثقهم عليه {وَالَّذِينَ يَصِلُونَ ما أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ} كأرحامهم وجيرانهم الفقراء وإخوانهم المسلمين ويراعون حقوق زوجاتهم وخدمهم ورفقائهم في الحضر والسّفر والغيبة والحضور: {وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَيَخافُونَ سُوءَ الْحِسابِ} [21] فيحاسبون أنفسهم قبل أن يحاسبوا: {وَالَّذِينَ صَبَرُوا} على المصائب والمشاق أملا بما لهم عند اللّه من الخلف والثواب: {ابْتِغاءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ} لا ليقال إنهم صابرون ولا لقساوة في قلوبهم ولا لعدم محبة بالمفقود والمصاب: {وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْناهُمْ سِرًّا وَعَلانِيَةً} طلبا لمرضاة اللّه تعالى فوق صبرهم على المصائب وعلى القيام بأوامر اللّه: {وَيَدْرَؤُنَ} يدفعون: {بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ} الواقعة عليهم من الغير، فإذا حرموا أعطوا، وإذا ظلموا عفوا، وإذا قطعوا وصلوا، وإذا أذنبوا استغفروا وتابوا واسترضوا خصومهم بما شاؤه ولو بالقصاص منهم: {أُولئِكَ} المتصفون بهذه الصّفات التسع المارة: {لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ} [22] المحمودة وهي: {جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَها} يقيمون فيها يوم القيامة هم: {وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبائِهِمْ وَأَزْواجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ} تبعا لهم وتكميلا لفرحهم وتعظيما لشأنهم وتكريما لهم.
وفي هذه الآية دلالة على أن الصالح يشفع بأتباعه، وهو كذلك.

.مطلب ينتفع الميت بعمل غيره وبصلة الوفاء والصّدقات ويجوز قضاء حجه وصومه من قبل أوليائه وفي ذكر اللّه تعالى وصلة الرّحم:

وهذا دليل على أن سعي الغير ينفع كما ذكرناه في الآية 38 فما بعدها من سورة النجم، والآية 87 من سورة الأنعام، والآية 8 من سورة غافر، والآية 21 من سورة الطّور، هذا ويؤكد هذا المعنى ما أخرج في الصّحيحين أن رجلا قال لرسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم أن أمي افتلت ماتت على حين غفلة وأظنها لو تكلمت لتصدقت، فهل لها أجر ان تصدقت عنها؟ قال نعم. وقد أجمعت العلماء على أن الصّدقة تنفع الميت ويصله ثوابها، وأجمعوا على وصول الدّعاء إليه وقضاء الدين والحج عنه، ورجحوا جواز الصّوم عنه أيضا إذا كان عليه صوم استنادا على ما ورد من الأحاديث في ذلك، وأن حديث: إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث...لا ينفي وصول عمل الغير كما جاء في شرح هذا الحديث وغيره من أقوال العلماء العاملين، واللّه أعلم: {وَالْمَلائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بابٍ 23} من أبواب الجنّة يسلمون عليهم زيادة لسرورهم وتحيتهم التي يؤدونها لهم عند دخولهم عليهم هي: {سَلامٌ عَلَيْكُمْ بِما صَبَرْتُمْ} على المحن في الدّنيا: {فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ} [24] دارهم هذه دار الكرامة ولما ذكر العداء وما وعدهم اللّه به من الخير والاستيفاء وما أوعدهم اللّه به من الشّر.
قال جل قوله: {وَالَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثاقِهِ وَيَقْطَعُونَ ما أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ} مما ذكر آنفا: {وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ} علاوة على تلك المثالب: {أُولئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ 25} والعياذ باللّه، وإذا كان هذا مصيرهم فلا تنظروا إلى ما هم فيه في الدّنيا من السّعة وما هم عليه من الصّحة لأن عاقبتهم وخيمة، راجع الآية 22 من سورة محمد المارة فيما يتعلق في هذه الآية وما قبلها، والآية 27 من سورة البقرة أيضا.
قال تعالى: {اللَّهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ وَيَقْدِرُ} يضيّق على من يشاء: {وَفَرِحُوا} ابتهج هؤلاء: {بِالْحَياةِ الدُّنْيا} ولذاتها وشهواتها: {وَمَا الْحَياةُ الدُّنْيا فِي الْآخِرَةِ} أي بالنسبة إليها: {إِلَّا مَتاعٌ} [26] قليل فان كعجالة المسافر: {وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا} مع هذه الآيات العظام: {لَوْلا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ} عنادا ليس إلا، إذ ما بعد كلام اللّه آية، ولا تضاهي آياته آية، فيا سيد الرّسل: {قُلْ} لهؤلاء العتاة: {إِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشاءُ} مع وجود الآيات: {وَيَهْدِي} من يشاء ويقرب: {إِلَيْهِ مَنْ أَنابَ} [27] إليه ورجع عن غيه دون آية ما بالنظر إلى أصل الخلقة ولما هو مدوّن في علمه تعالى، وهؤلاء المنيبون هم: {الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ} وحده، المعرضون عما سواه، وعما يقترحه الكافرون من طلب المعجزات: {أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ} [28] الطاهرة ويستقر إليه يقينهم، فهلموا أيها المؤمنون لذكره إذا أردتم الهداية.
ثم وصف المهتدين في الوفاء وصلة الرّحم وانهم هم: {الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ} المطمئنة قلوبهم لذكر اللّه: {طُوبى لَهُمْ وَحُسْنُ مَآبٍ} [29] في الآخرة، وطوبى مبالغة الطّيب كالحسنى مبالغة لأحسن ويعبر عنها بالجنة أو شجرة عظيمة فيها.
وبما أنا وعدنا في تفسير الآية 22 من سورة القتال المارة بذكر ما يتعلق بصلة الرّحم فإنا نورد هنا ما عنّ لنا بيانه وتبسر لنا تبيانه.
روى البخاري ومسلم عن أبي موسى الأشعري قال قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم أن مثل ما بعثني اللّه به من الهدى والعلم كمثل غيث أصاب أرضا فكانت منها طائفة طيبة قبلت الماء فأنبتت الكلأ والعشب الكثير، وكان منها أخاديد غدران تمسك الماء كالبرك أمسكت الماء نفع اللّه بها النّاس فشربوا منها وسقوا ورعوا، وأصاب طائفة منها أخرى إنما هي قيعان لا تمسك الماء ولا تنبت الكلأ، بذلك مثل من فقه في دين اللّه وفقه ما بعثني اللّه به فتعلم وعلّم، ومثل من لم رفع بذلك رأسا ولم يقبل هدى اللّه الذي أرسلت به.
وروى البخاري ومسلم عن عائشة قالت قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم الرّحم معلقة بالعرش تقول من وصلني وصله الله، ومن قطعني قطعه اللّه.